قصة قصيرة
فقط من محض الخيــال
أخـتـــــــــــي
هي كعادتها ومنذ نعومة أظفارها تحب المكايدة .. ومنذ أن فتحت عيني على الحياة وجدتها أمامي تردد صدى كل شي بعكس مرامي .. فإذا قلت لها شرقاً قالت بل غرباً .. وإذا بكيت أنا وجدتها تضحك .. وإذا ضحكت وجدتها تبكي ! .. عجيب أمرها فكأنها وجدت في حياتي لتعكر صفوها .. وكأنها خلقت من أجل مكايدتي وتنقيص راحتي ! .. فقط ولد وبنت حصيلة الأسرة .. وهي تكبرني بعامين .. وأبي يفضلها علي كما اعتقدت بحكم جهالتي.. وهي بحكم جهالتها تظن أن أمها تفضلني عليها .. فإذا تشاجرنا كما يحدث عادة بين أخ وأخت كانت أمي تقف بجانبي وكان أبي يقف بجانبها .. سنة الحياة بين أطفال الأسرة الواحدة أن تكون هناك مناكفة ومنافسة ومجادلة بين الصغار .. وعلى الأخت أن تغير على الأخ .. وعلى الأخ أن يغير على الأخت .. وهي معركة قد تستمر لسنوات الجهالة كلها .. ولكنها مع إشراقة بوادر النمو العقلي تبدأ في الانحصار .. أما أنا وأختي فكانت معركتنا قوية ... وقوية بالدرجة التي كنا نظن أننا يجب أن يتخلص أحد من الأخر .. فكم من مرات مزقت لها كتبها المدرسية وجعلتها تبكي وتولول وحتى يعود أبي ثم يبدأ في تأديبي بعلقة ساخنة ... ثم تتدخل أمي الحبيبة .. وتدافع عن ولدها المدلل !! .. وكم من مرات أخفت أختي ملابسي للمدرسة وجعلتني أبكي وقد تأخرت عن الذهاب للمدرسة .. وعدم حضور طابور الصباح يعني علقة أخرى ساخنة وهي ما تتمناها أختي ..! فهكذا كانت حياتنا معركة مستمرة مبنية على الكره الشديد .. وتفعيل المكايدات للبعض .. حتى أنني كنت أكره كل شي لها صلة بها كصاحباتها وأترابها .. وهي أيضاً كانت تكره كل شي يخصني .. ثم دارت الأيام وكبرنا .. فبدأ بيننا نوع من الجفاء وعدم الاكتراث .. وعدم الاهتمام بهموم الأخر .. فكأنها ليست بأختي وكأنني لست بأخيها ..!
ثم شاءت الأقدار وسمحت الظروف أن أفكر في الزواج .. فكانت الإجراءات والمراسيم خطوة بخطوة .. والعادة في قريتنا أن للأعراس طقوس كثيرة .. ومسميات تتم بمراحل حتى يتم التعاقد الشرعي في نهاية الأمر .. ولابد للزواج أن يمر بتلك المراحل العديدة لأيام وأيام .. وكل يوم بمسمياته .. مثل يوم
الخطوبة .. ويوم تعارف الجانبين .. ويوم تقديم المهر واللوازم .. ثم يوم الحناء .. وأيام أخرى .. أما قصتنا هنا فتنتهي بأحداث يوم الحناء .. فللعريس يوم يجتمع فيه الأهل والأقارب والأحباب من أجل مراسيم الحناء .. ومراسيم الحناء بالنسبة للعريس عبارة عن حفل وليمة في نهايتها توضع نقاط صغيرة جداً من الحناء في موضع صغير بالكف .. وهي علامات صغيرة جداَ تؤشر بأن العريس تحت التأهيل للزواج .. أما الحناء بالنسبة للعروسة فيعنى ذلك الخضاب المزركش لكافة الكف . وللعروسة لها أيضاً مع أهلها يوم خاص للحناء .
فجلست مع أصدقائي في المكان المخصص للعريس .. والعادة المتبع أن يقوم الأقرب ثم الأقرب من النساء ( من المحارم ) .. والتي تضع نقطة من الحناء بالكف هي قد تكون الأم أو الأخت أو الخالة أو العمة .. والنقاط تكثر بكثرة الأقارب من المحارم .. وكثرة النقاط تعني كثرة الأهل من أولي الرحم .. وفي اللحظة السعيدة وبين أنغام الزغاريد .. همت إحداهن لوضع النقطة الأولى من الحناء في كفي ولكن لذهولي وذهول الحاضرين سمعت صوت أختي وهي تصرخ بأعلى صوتها وتأمرها بالتوقف !! ثم تقف وتعلن في الملأ وتقسم بالله أن أحداً غيرها لا تمسك يد أخيها وتضع النقطة الأولى !! ثم جلست أمامي مباشرةً .. في تلك اللحظة نظرت إليها ونظرت إلي .. ولأول مرة تلتقي عيني بعين أختي في لحظة محيت فيها كل الماضي .. ولأول مرة أيضاً أحس أنها هي الإنسانة التي عبرت مسافة الطفولة معي عبر مشوار ليس بالقصير .. مشوار بحلاوته ومراراته .. وهي شريكتي في حياة الطفولة ورفيقتي في البيت .. ثم مدت يدها ومسكت بكفي .. ثم غلبت عليها لحظة عابرة من السعادة الممزوجة بالدموع .. فنظرت إلى الأرض لتخفي أمر سعادتها باستحياء شديد .. فرفعت رأسها بيدي لأرى عينيها .. فوجدت أغلى دمعة تزرف من عين أختي .. وأنا قاومت لأثبت قوتي ولكن خذلتني عيني فجرت الدموع .. بحر من عواطف الأخوة والدم .. بحنان عجيب أرادت أن تنظر في أعماق عيني .. وفي صمت وبغير لسان أرادت أن تقول
أحبك يا أخي .. وفرحتك فرحتي .. وسعادتك سعادتي .. ثم فتحت ثغرها الجميل لتقول أمام الملأ أنا اليوم أسعد إنسانة بزواج أخي .. وفي تلك اللحظة ولأول مرة أعرف أن لي أجمل وأغلى وأحلى وأعز إنسانة في الدنيا وهي أختـي !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع تحياتي لكم احلا الاوقات